قليل من الخُبز.. كثير من الحُب!

الحديث عن الرضا وإحصاء النِعم في وقت الشدائد لا يُمل، لأنه لا ينفك عن حياة الإنسان التي قال عنها الله سبحانه وتعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ”؛ فالإنسان بطبعه أكثر عُرضة إلى “إِلف النِعم”، فما نجتهد في الحصول عليه اليوم وتتعلق به آمالنا، نألف وجوده ونعتاد عليه بمجرد أن يستقر بين أيدينا، ولهذه الفلسفة البشرية مفتاح وعلاج وصفه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا” (الترمذي وابن ماجة).
كأننا قبل شهر أو أكثر، أي قبل تاريخ 7 أكتوبر، لم نكن ندرك أن الدنيا بحذافيرها تتلخص في ثلاث نِعم (الأمن والعافية والقوت “اليومي”! حتى في ظل أحلك الظروف التي ضربت الأبرياء، كانت الأمهات تبحثن لأطفالهن عن كِسرة خبز يسدوا بها جوعهم، فثمة الصراع الأبدي الدائر بين الحياة والموت تحت سقف موت محتوم!

حطام البيوت

هذه المشاهد التي تدمي القلوب لأناس تحت الهدم، يصبرنا عليها أنهم شهداء بإذن بالله؛ إنما السؤال هنا: ألم يكن هناك زوج على خلاف مع زوجته لسبب ما قبل أن يشتد الكرب؟ ألم تكن هناك أم/أب يأس من تعليم ابنه أو ابنته آداب معاملة الوالدين وبرهما؟ ألم تكن هناك فتاة تنتظر موعد عرسها ليجمعها الله برفيق حياتها؟ ألم يكن هناك شاب يبحث عن فرصة عمل و قد سُدت أمامه كل الطرق؟ ألم يكن هناك زوج قرر الانفصال عن زوجته لأنها لم تنجب له ولد ذكر؟ وغيرها من هموم الناس التي تسلبهم مع التفكير فيها إدراك قيمة النعمة الحقيقية للحياة.
كأن الكرب جاء ليذكرهم ويذكرنا معهم أن الحياة قصيرة جدًا لنتخلى عن معناها الحقيقي الذي خلقنا الله من أجله وهو الحب؛ فما الذي يجعل هؤلاء الأبطال الأبرياء على قيد الحياة حتى وهم تحت الهدم؟

إنه الحب

أصبح الحب في هذه الحالة كالهواء؛ فبعد انقطاع الكهرباء والماء والغاز والمرافق كافة ومنها الاتصالات، لم يعد إلا الهواء يحمل معه نسائم لمن هم على قيد الحياة، أو يوفر نسمة هواء لمن يكابد الموت والاختناق في مستشفيات طالها الدمار.
في وسط كل هذا الدمار والخراب، يقف أب بمفرده بعد أن فقد عائلته كاملة، يبتسم ويدير ظهره للعالم بكل عِزة وكرامة، ليكمل طريقه لأنه يحب أرضه، وهذه الأم الثكلى، تتحدث بكل قوة عن آخر مشهد لابنها وهي تبحث له عن حبة بندورة لتطعمه، فعادت ولم تجد البيت ولا الولد! حكت القصة وكتبتها لأنها تحبه؛ فالحب أعطاها القوة لتروي الحكاية وتعلمنا القوة وهي لا تعرف أن التاريخ سيذكر ابنها كما هي ذكرته بحب “شعره كيرلي، أبيضاني وحلو”!
ينسج الحب من خيوط الليل الحالك ثوبًا زهري اللون من السعادة تراها في لمعة عيون أطفال حصلوا لتوهم على أرغفة الخبز المصنوعة عل أنقاد بيوتهم، واصطفوا أمام الموقد كقطط صغيرة تنتظر أن يخرج الطعام، فأصبح رغيف الخبز الفارغ أعلى درجات السعادة لقلوبهم الخضراء، وهذا الأب الذي كان يحمل هم قوت يومه هو عياله، لم تعد القضية تشكل لديه أي هم، لأنه الآن يبحث عما يسد به رمق الصغار بصرف النظر عن كميته أو نوعه، المهم أن يبقيهم على قيد الحياة!
فما الحب إلا طاقة تجدد بناء مع هدمه هذا العالم وترك أطفالا لا يعرفون ما ذنبهم فيما يحدث سوى أنهم فقط تمنوا “كِسرة خبز”! فكل ما في العالم من فلسفة أو منطق أو مواساة ستقف عاجزة عن تفسير هذه القوة العجيبة التي تدفع هؤلاء الناس للمضي قدمًا على أشلاء أو بقايا حياة.
نعم، الحديث عن فلسفة الابتلاء والتحمل والمجاهدة يصير حديثًا فارغًا أمام هذه القوة النابعة من إدراك أن “الحياة قصيرة”، ولن يفلح أي شيء في تعميرها من جديد والبناء على ما تبقى سوى “قليل من الخبز.. كثير من الحب”!
وما يذّكر إلا أولو الألباب.

المرأة ما بين ظلمات التشدد ومتاهات التحرر

المرأة ما بين ظلمات التشدد ومتاهات التحرر

حيرة شديدة عندما تقرر أن تتحدث عن المرأة .. فقد ظلمت كثيرًا حين أصبحت أسيرة لخطاب ديني متشدد، غابت ودفنت في ظلماته -بنصوص وآراء فقهية ضعيفة أو غير مناسبة لعصرنا الحالي ومتطلبات ومتغيراته-، في مقابل متاهات خطاب التحرر التي تخبطت فيه المرأة وأصبحت مستباحة بدعوى الحرية والتمدن، فما بين هؤلاء وهؤلاء ظُلمت المرأة.

التحرش.. ظاهرة تبحث عن حل

التحرش.. ظاهرة تبحث عن حل

بقلم/ د. رامي عطا صديق جريدة (وطني)، الأحد 21 فبراير 2021م. من بين أكثر الظواهر الاجتماعية السلبية التي عرفها الشارع المصري خلال السنوات القليلة الماضية تأتي ظاهرة التحرش الجنسي، التي باتت تطل علينا من أكثر من مكان، وفي أكثر من مناسبة، في الشارع ومواقع العمل!! في...

خدمة الحكمة للرجال والنساء

خدمة الحكمة للرجال والنساء

بقلم/ القِس حنَّا كتناشو تحدَّث دارسو الكتاب المقدَّس عن أنواع الخدمات الموجودة في العهد القديم. فيذكرون الكاهن الَّذي يتعامل مع الشَّريعة والتعليمات الإلهية ويقدم الذبائح ويعتني بحاجات الشَّعب. ويذكرون الملك الذي ينظم المملكة ويوحدها ويدافع عنها أمام الأعداء وينظّم...