بقلم/ هبة صلاح
اعتدنا أن نقرأ ونطالع تقارير كثيرة تنشر في مثل هذا الوقت من كل عام عن أهم الإنجازات التي حققتها المؤسسات والأشخاص والجهات المعنية بشكل عام فيما يطلقون عليه “حصاد العام” في شتى المجالات. ولا يخفى علينا أن عام 2020 كان عامًا استثنائيا، شهد فيه العالم «جائحة» غيرت معها كثير من المفاهيم، بل وأتت بمصطلح جديد هو “العالم بعد كورونا” Post-Corona World، كأننا انتقلنا إلى عالم آخر وعلينا أن نواجه تحدياته بكل صبر وثبات، جاء على رأس هذه التحديات ما حدث داخل الأسرة في أوقات العزل المنزلي، وزيادة نسبة العنف ضد النساء حتى وصفتها هيئة الأمم المتحدة “بالجائحة المستترة”. لكن كما كانت هناك أوقات عصيبة واختبارات تنوعت بين المرض والفقد، فهو أيضا العام نفسه الذى لم يمر دون التوصل لأكثر من لقاح، وكما كانت هناك معدلات إصابة ووفيات، كانت هناك أيضا معدلات شفاء وتعافٍ مرتفعة؛ كان عاما لمسنا فيه رحمة الله في كل موقف وكل مشهد.
مع اتجاه العالم وتحوله إلى العالم الافتراضي عبر منصة زووم لتيسير الأعمال وعقد الفعاليات، يطيب لي في هذا السياق أن أقف عند فاعلية دولية هامة أعتبرها حجر الزاوية لفكرة هذا المقال وهو منتدى القيم الدينية لمجموعة العشرين الذي عقد افتراضيا وبلغ عدد المشاركين به 2000 مشارك، وهو منتدى يسعي إلى إيجاد حلول عالمية من خلال التعاون مع قادة الفكر الديني والممثلين السياسيين مرتكزًا على الأدوار الحيوية التي تؤديها المؤسسات الدينية والعقائدية في الشؤون العالمية على نحو يعكس تنوعًا غنيًا من المؤسسات والأفكار والقيم. دامت جلسات المنتدى خمسة أيام من 13 إلى 17 أكتوبر وتناولت حالات الطوارئ الناشئة على إثر جائحة كوفيد-19 والتغير المناخي وصور اللامساواة الاجتماعية والعرقية والاقتصادية والتحديات البيئية والحفاظ على الأماكن المقدسة وحمايتها.
احتلت قضايا الجندر المتمثلة في صور اللامساواة الاجتماعية والعرقية والاقتصادية مساحة وافرة من الجلسات وكان من أبرز المشاركات الدكتورة عزة كرم، الأمين العام لمنظمة أديان من أجل السلام، وكان لها كلمة مميزة جعلتني أقف عند قولها: “علينا أن نتوقف عن استخدام عبارات وصف النساء بأنهن ضحايا أو مهمشات، لأننا بالفعل قد قطعنا شوطا كبيرا في مجالات تمكين النساء حول العالم…”
بدا لي أنني كنت أنتظر هذا التصريح من قيادة نسائية متميزة لها تاريخ مشرف في مجال السلام والحوار بين الأديان والثقافات ومنها النوع بالطبع، فبمجرد أن انتهت الدكتورة عزة من كلمتها،قررت أن ننطلق من هذا المنظور في تعاملاتنا مع قضايا النساء بشكل عام حتى نخرج من دائرة “قانون الجذب” التي جعلتنا نقف في مكاننا لفترات طويلة من الزمن دون أن ننتبه إلى ما تم تحقيقه من مكاسب على أرض الواقع فيما يخص حقوق النساء للتواجد في المجال العام في الوطن العربي والعالم كافة. فهل نحن فعلا نرى هذه المكاسب ونتجاهلها؟ أو أننا نراها غير مرضية ولذلك تسيطر على بعض التيارات النسوية نبرة الإحباط والثورة لمجرد الثورة؟
الحقيقة هي أننا خلال هذا العام تحديدا انكشفت لنا العديد من الحقائق فيما يتعلق بمعاناة النساء داخل المجتعات العربية عامة والمجتمع المصري خاصة، تأتي مأساة التحرش بكل صوره وأشكاله على رأس القائمة، والتي راح ضحيتها الفتاة مريم التي عرفت إعلاميا باسم “فتاة المعادي”، سبقها قضية أحمد بسام زكي وغيره، فبالرغم من بشاعة هذه الأحداث إلا أن العقوبات التي نزلت بالجناة قبل أن ينتهي العام قد أثلجت صدور الكثيرين، وهذا في رأي من أعظم الإنجازات التي تحققت حتى وإن اعتبره البعض غير كافيا، كما في حالة أحمد بسام زكي المتحرش؛ كما أنني راقبت ردود الأفعال حول تطبيق حكم الإعدام على قاتلي الفتاة مريم، التي أبكت الملايين بوفاتها.
هذه العقوبات جاءت بعد جهد كبير سعت له النساء في مجتمعنا من أجل تطبيق القوانين جبنا إلى جنب للمطالبة بحقهن للتواجد في المجال العام، فهل يصح أن نغض الطرف عن ذلك ونظل ندور في فلك التركيز على تهميش واستضعاف النساء؟ لا يقول عاقل بذلك!
بحسب ما أعلن المجلس القومي للمرأة في مصر، قد تنوعت الإنجازات هذا العام فيما يخص قضايا النساء إلى إنجازات دولية وتشريعية وبرامج ومبادرات قد خرجت بنا بالفعل من نفق الظلم والتميز إلى رحابة إنجازات حقيقية علينا أن ننطلق منها ونبني عليها سواء في المؤسسات الدينية أو مؤسسات المجتمع المدني؛ هنا أذكر ما صرحت به الدكتورة مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، أن عام 2020 شهد قوانين كثيرة تنصر المرأة على رأسها قانون ضد التنمر وقانون الولاية على المال وغيرها من القوانين، موضحة أن هناك شَرَكات عدة مع كل الوزارات مع المجلس لدعم المرأة وهناك زيادة إقبال الوزراء على العمل مع المجلس.
إذن فهناك مساحة آمنة تنطلق منها النساء في هذا العصر تدعمها توجهات الدولة المصرية لتفعيل دور النساء في شتى المجالات العامة، ولذا علينا أن نعقد التوازن بين ما يتم تحقيقه من إنجازات على أرض الواقع، وبين ما نراه عالقا في الأذهان من صور ذهنية نمطية تسببت في حرمان النساء في مجتمعاتنا العربية من حقهن في التعليم والرعاية الصحية والعمل العام بحجة أن مكانهن المنزل أو أنهن خلقن للبيت، وهي بمثابة عبارة تهدف إما إلى “شيطنة النساء” بوصفهن أسباب فتنة بحسب التفسيرات الدينية المشوهة أو التركيز على ضعفهن ولذلك عليهن البقاء بعيدا عن الحياة العامة، وكلاهما يضع السم في العسل كما يقولون.
إن الصور النمطية التي تراكمت عبر قرون من الظلم والتميز ضد النساء لم ولن يتم معالجتها في سنوات قليلة، لكن الإنجاز الحقيقي هنا هو أن نعترف أننا قطعنا شوطا كبيرا على الطريق وعلينا أن نستمر لتصحيح المفاهيم ووضع الأمور في نصابها.
نٌشر بجريدة الجمهورية، بتاريخ 31 ديسمبر 2020