عندما يتصدى الرجال للمفاهيم الخاطئة حول قضايا المرأة في الخطاب الديني.. «دار الإفتاء» تصحح المفاهيم المغلوطة في حملة «اعرف الصح»

تابعت مبادرة “أصواتهن للسلام” مطلع شهر أكتوبر الحالي ما تم نشره من خلال الصفحات الرسمية لدار الإفتاء المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث أعلن الدكتور/ أحمد رجب أبو العزم، مدير مواقع التواصل الاجتماعي بدار الإفتاء، عن تدشين حملة إلكترونية واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي بعنوان “اعرف الصح”، نهدف إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والفتاوى الشاذة التي انتشرت في الفترة الأخيرة بين أوساط المجتمع المصري بين تشدد وتساهل، فقد جاءت الحملة لتقطع الطريق على التيارات المتطرفة فكريًا والتي رسخت لدى المجتمع معتقدات ومعلومات خاطئة حول الكثير من القضايا الدينية واستخدمت فيها العاطفة الدينية من أجل التأثير على المجتمع وحتى يكون الطريق سهلا في إقناع عامة الناس بأفكارهم المتشددة.

كان لقضايا المرأة نصيب وافر في هذه الحملة، حيث نشرت دار الإفتاء عبر صفحاتها العديد من الفتاوى التي تؤسس لخطاب ديني مؤسسي يبرز مرونة الفقه الإسلامي والتركيز على مفهوم “العدل” بين الجنسين كما أقره الإسلام، حتى تتضح المفاهيم في الأذهان.

من جانبه، صرح د. أحمد رجب، المشرف على الحملة، ومدير مواقع التواصل الاجتماعي بدار ، أن الفهم الصحيح للدين والوعي الرشيد من أهم العناصر التي يمكن الاتكاء عليها من أجل بناء مجتمع صالح منضبط متعايش يؤدي عمل يومه ويُرضى ربه ويتحقق له سعادة الدارين.

حيث إن الأسرة هي  الفئة المستهدفة بعمل مبادرة “أصواتهن للسلام”،  صرحت الباحثة/ هبة صلاح، مديرة ومؤسسة المبادرة، أن أكثر ما يميز هذه الحملة هو أن القائم عليها “رجل” وقد تم تخصيص قدر كبير من المحتوى إلى توضيح وتصحيح المفاهيم المتعلقة بأهم قضايا النساء التي تعتمد للأسف على عادات وتقاليد راسخة في المجتمع، ولا تقوم على فهم فقهي سليم، لذلك كان لابد أن نبرز هذا العمل لكل من يهتم، وهو الهدف الذي انطلقت من أجله المبادرة.

كان من أهم القضايا التي عرضتها المبادرة، قضايا حرمان المرأة من الميراث، حقوق المطلقة في النفقة لأولادها المحضونين، قضايا الأسرة مثل تنظيم النسل، إساءة معاملة الزوجة والأولاد، وزي المرأة المعتمد على العادات مثل النفاب، وغيرها من القضايا الهامة التي طالما انتظرنا المؤسسة الدينية الرسمية أن تحسم الجدل حولها وتصحح المفاهيم.

أما عن حرمان المرأة من الميراث، قالت دار الإفتاء:

“حرمان الوارث من الميراث بعد ثبوت حقه فيه حرامٌ شرعًا ومن كبائر الذنوب؛ لقول الله تعالى بعد ذكر تقسيم الميراث: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۞ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 13-14]، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، قَطَعَ اللهُ بِهِ مِيرَاثًا مِنَ الْجَنَّةِ».

وهو في حق المرأة أشد، بل هو من مواريث الجاهلية؛ حذر منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: حَقَّ الْيَتِيمِ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ»، ومعنى «أُحَرِّجُ»: أُلْحِقُ الحَرَجَ وَهُوَ الإثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُمَا، وَأُحَذِّرُ مِنْ ذلِكَ تَحْذِيرًا بَليغًا، وَأزْجُرُ عَنْهُ زجرًا أكيدًا.

وفي ردها على سؤال حول حكم من يسيء معاملة زوجته وأولاده، قالت دار الإفتاء:

ما يصدر من الزوج من إساءة لزوجته، هو أمرٌ غير جائز شرعًا؛ فالإسلام أمر الزوج بإحسان عشرة زوجته، وأخبر سبحانه أن الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة، فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حسن معاملتهم لزوجاتهم، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي» رواه الترمذي.

وفي سؤال آخر حول حق الأولاد المحضونين مع أمهم من النفقة، جاء رد دار الإفتاء:

نفقة الأولاد المحضونين واجبة على أبيهم إذا لم يكن للصغير مال حاضر يمكن أن ينفق عليه منه، وتشمل أجر الحضانة، ونفقة تعليمه، والمأكل والملبس والمسكن وسائر أسباب المعيشة كما يليق بحالهم وبحسب حال الأب يسرًا وعسرًا، على ألَّا تقل النفقة عند الإعسار عن قدر الكفاية بما يكون موافقًا للعرف ولأحكام القضاء.

أما عن المغالاة في المهر وآثاره، قد وجهت دار الإفتاء رسالة إلى الآباء حول أسس قيام الأسرة بعيدا عن المادة والصورة الحقيقة للزواج في الإسلام، جاء في ردها:

المغالاة في المهر ليست من سنة الإسلام؛ لأن الغرض الأصلي من الزواج هو عفة الفتى والفتاة؛ يقول عليه الصلاة والسلام: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا» رواه الحاكم في “المستدرك”.

فمن اللازم عدم المغالاة في المهر، وأن ييسر الأب لبناته الزواج بكل السبل إذا وجد الزوج الصالح؛ حتى نحافظ على شبابنا وفتياتنا من الانحراف، وقد قدم لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النصيحة الشريفة بقوله: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرْضِ وَفَسَادٌ» رواه الترمذي.

إن هذه الحملة التي أطلقتها دار الإفتاء قبل شهر تعد خطوة إيجابية متميزة على طريق تجديد الخطاب الديني، حيث إن الدار تقدم الفتاوى بلغة عصرية “لغة السوشيال ميديا”، التي أصبحت حجر الزاوية في عصرنا الحالي؛ وهذا ما حققته الحملة في التواصل مع الجمهور بلغتهم، وبطريقة متوازنة بعيدة عن التشدد أو التساهل، وهذا ما تعمل مبادرة أصواتهن للسلام على رصده دائما وتقديمه من خلال منصاتها حتى تحقق الأهداف التي أعلنتها قبل عامين.  

 

هل عاطفة المرأة ضعف أم قوة؟ وما هو التوصيف الدقيق لمصطلح “تمكين المرأة”؟ أصواتهن للسلام في حوار لمبادرة “المجتمع المهني للتنمية”

هل عاطفة المرأة ضعف أم قوة؟ وما هو التوصيف الدقيق لمصطلح “تمكين المرأة”؟ أصواتهن للسلام في حوار لمبادرة “المجتمع المهني للتنمية”

في إطار فاعليات مبادرة أصواتهن للسلام التي تهدف إلى كسر الصور النمطية التي تُمارس في المجتمعات العربية خطأ باسم الأديان، ومن أجل تصحيح المفاهيم الاجتماعية الخاطئة في إطار مشروعات التنمية والنوع الاجتماعي، شاركت الباحثة هبة صلاح، مؤسسة مبادرة أصواتهن للسلام في لقاء عبر منصة زووم بدعوة من الأستاذة رِهام فؤاد صاحبة مبادرة “المجتمع المهني للتنمية”، حيث دار الحوار حول العديد من النقاط الهامة في هذا الإطار.