إلى حراس الفضيلة.. من أنتم

بقلم / هبة صلاح

أظلنا منذ أيام قليلة عام هجري جديد هو العام 1442 بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة فرارا برسالته التي كابَد من أجلها صنوف العذاب وصبر على الابتلاءات ليضع خطوطا عريضة فاصلة ليس لأمته فحسب، وإنما للإنسانية كافة. فكل من يملك قدرا ولو بسيطا من البصيرة يدرك تمامًا أن هجرة النبي (صلى الله عليه سلم) لم تكن حدثًا تاريخيا فقط أو حدوتة تعملناها في المرحلة الابتدائية وودعنا بعدها الكتب!

لفظة “الهجرة” في حد ذاتها تحمل من الدلالات والمعانِ ما تفيض به الكتب والأحاديث والمناقشات؛ وإن ما يعنينا في هذا السياق هو “هجرة الظلم والتميز القائم على النوع الاجتماعي”. نعم، فهجرة النبي كانت أول مَدرسة علمتنا كيف نهجر التميز ضد النساء في المجتمعات وعدم تصنيفهن أو إقصائهن عن الحياة العامة، والسيدة العظيمة أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) هي خير ما نذكر هنا، فهي كانت حاملا في الشهر الثامن بولدها عبدالله بن الزبير عندما كانت تأخذ الطعام والماء وتسير لأكثر من ثلاث ساعات وتصعد غار ثور لتزود النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه بما يحتاجون، وكانت في سبيل إتمام هذه المهمة تتحمّل الكثير من المخاطر، دون أن يشعر بها أحد من المتربصين.

كان هذا ببساطة هو حال النساء والنظرة إليهن والتعامل معهن في مجتمع كان ينفض لتوه غبار الجاهلية والعنف والتسلط على النساء؛ ففي حالة السيدة أسماء (رضي الله عنها) لم ينكر عليها سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تقوم بهذه المهمة بمفردها وتأتيهم إلى الغار بما يحتاجون “لأنها امرأة” تسير في منتصف الليل بين الجبال الوعرة والطريق الموحشة، ولم يطلب منها في أول مرة صعدت إليهم الجبل بالطعام أن تصطحب معها “رجل” المرة القادمة حتى تدفع عن نفسها أي شبهة ويُقر “الفضيلة” في مجتمع الجاهلية! فلمّا رآها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تسير بلا نطاق، وقد شقته نصفين لتضع الماء والطعام، وقد آثرته على نفسها بشّرها بأنّ الله تبارك تعالى قد أبدلها بنطاقها الّذي ربطت به غذاء رسول الله وماءه نطاقين في الجنّة، فسُمّيت بذات النّطاقين.

هذا نموذج للتعامل مع النساء في المجتمعات الجاهلية التي كانت تشق طريقها نحو إرساء قواعد الدين الذي خرج من نفس المشكاة التي خرجت منها الأديان السابقة كافة؛ وهنا نطرح سؤالا مُلحًا غاية في الأهمية: هل ما تواجهه النساء في مجتمعنا المصري ومجتمعاتنا العربية من حالات التسلط أو الامتهان أو “الشيطنة لصورة المرأة” يندرج تحت أي تصنيف وقد مر على هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) 1442 عام؟!

ما من شك أننا تابعنا على مدار الأيام القليلة قضية تعرض النساء في مصر إلى رفض تسكينهن في الفنادق داخل مختلف المحافظات في مصر بما في ذلك العاصمة! لم أقتصر في البحث عن هذا الأمر على الروايات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي إنصافًا للقضية وحتى تكون الرؤية محايدة دون إفراطًا أو تفريط؛ بل شاركتني مجموعة من السيدات والفتيات في مصر تجارب ومواقف من الواقع تعرضن فيها للرفض من السكن أو حجز غرفة داخل بعض الفنادق، الأمر الذي لا يخضع لأي قانون سوى العرف السائد في الجتمع وهو حراسة الفضيلة التي تنتهكها النساء بتواجدهن في الأماكن العامة بمفردهن! فلماذا نخشى على الفضيلة ونحميها من النساء دون الرجال؟ لماذا لم يشتكي الرجال من هذا التمييز أو لم يتعرض رجل أي كان عمره إلى الرفض لأنه طلب حقه في استقلال غرفة مفردة داخل أي فندق؟

هل فعلا رفض تسكين النساء بمفردهن سيكون مدخلأ جيدا كي نحافظ على الفضيلة في مجتمعنا الذي يشهد بحسب آخر الإحصاءات والتقارير انتشار عمليات ختان الإناث في أوساط النساء المتزوجات التي بلغت 92% بحسب آخر مسح سكاني صحي في مصر (وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015)، يلي ذلك قضية التحرش الجنسي المنتشرة على نطاق واسع في مصر، حيث أفادت 99.3% من النساء بتعرضهن لشكل واحد على الأقل من أشكال التحرش الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن (هيئة الأمم المتحدة للمرأة، 2013)، نهيكم عن زيادة مستويات العنف القائم على النوع الاجتماعي داخل البيوت خاصة في أوساط الفئات الاجتماعية الهشة، مثل الفتيات الصغيرات والأمهات المُعيلات في ظل جائحة كوفيد-19 الحالية (صندوق الأمم المتحدة للسكان، 2020)، حتى أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة على زيادة معدل العنف المنزلي منذ بداية الحجر مصطلح “الجائحة المستترة” وفي بدايات 2020، تم تداول العديد من التقارير التي أوردت بالتفصيل وقوع حوادث عديدة من الاعتداءات الجنسية والاغتصاب.

ومع وجود كل هذه الكوارث، هناك على صعيد آخر من يبذل جهودا حثيثة دؤوبة لخدمة قضايا التمكين الاجتماعي والاقتصادي للنساء من مختلف الطبقات الاجتماعية وعلى رأسها الفئات الهشة الضعيفة في الطبقات الفقيرة أو التي تعيش تحت خط الفقر، فنجد من يعيش في برج عاجي ويتبع قوانين ما أنزل الله بها من سلطان تزيد الطين بِلة، وتؤسس لفكرة التميز العنصري والجندري ضد النساء بشكل عام دون أسباب واضحة!

لا أدري إلى متى سنظل نقاوم ونسير عكس التيار لنقول أن الدين الذي ينطلق منه أغلب صور التميز ضد النساء في مجتمعنا لم يكن أبدا في تعالميه هذا الذي أنتم فاعلون! فإن كنت مالك لأحد الفنادق وترى من وجهة نظرك أننا في عام 2020 مازلنا نحرص على الفضيلة ومنع انتشار الرذائل عليك أن تطبق ما تراه على النساء والرجال معًا؛ وإن كنت ترى أن منعك للنساء والفتيات من السكن في غرف الفندق بمفردهن هو من باب الحرص عليهن وحمايتهن، فأنت ربما تكون مشارك في مباركة التحرش أو العنف ضد النساء بصمتك على هذه الجرائم الاجتماعية.

الحرص على الفضيلة لم ولن يكون بمنع النساء من ممارسة الحياة العامة كما صدر لنا الخطاب الديني والإعلامي والدرامي، وإنما الحرص على الفضيلة هو أن تكون “النساء بمفردهن آمنات”، وهذا يبدأ دائما من البيت. فإذا أردنا أن نختم بقصة السيدة أسماء (رضي الله عنها) التي كانت بطلة في قصة الهجرة، فيجب أن ننظر إلى البيئة أو الأسرة التي كانت هي المحضن التربوي لأسماء وأختها عائشة – رضي الله عنهن – فجعلت منهن بطلات، فكان أبوهما الصديق (رضي الله عنه) ذا خلق طيب لا يعرف الفحش، بل كل ما يعرفه هو احترام الآخر والإحسان إليه، فلا عجبًا أن يكون آل بيته على خير حتى قبل إعلان إسلامهم، فإذا صلح الراعي، صلحت الرعية.


الجمهورية 26 أغسطس 2020

المرأة ما بين ظلمات التشدد ومتاهات التحرر

المرأة ما بين ظلمات التشدد ومتاهات التحرر

حيرة شديدة عندما تقرر أن تتحدث عن المرأة .. فقد ظلمت كثيرًا حين أصبحت أسيرة لخطاب ديني متشدد، غابت ودفنت في ظلماته -بنصوص وآراء فقهية ضعيفة أو غير مناسبة لعصرنا الحالي ومتطلبات ومتغيراته-، في مقابل متاهات خطاب التحرر التي تخبطت فيه المرأة وأصبحت مستباحة بدعوى الحرية والتمدن، فما بين هؤلاء وهؤلاء ظُلمت المرأة.

التحرش.. ظاهرة تبحث عن حل

التحرش.. ظاهرة تبحث عن حل

بقلم/ د. رامي عطا صديق جريدة (وطني)، الأحد 21 فبراير 2021م. من بين أكثر الظواهر الاجتماعية السلبية التي عرفها الشارع المصري خلال السنوات القليلة الماضية تأتي ظاهرة التحرش الجنسي، التي باتت تطل علينا من أكثر من مكان، وفي أكثر من مناسبة، في الشارع ومواقع العمل!! في...

السيدة هاجر .. إيمان أذاب الحجر

السيدة هاجر .. إيمان أذاب الحجر

هبة صلاح   مع بداية عشر ذي الحِجة ودخول موسم الحَج تأتي ذكرى السيدة العظيمة هاجر المصرية، زوج نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وأم النبي إسماعيل والتي صنعت تاريخًا مجيدًا سيظل باقيًا ما دامت السموات والأرض. من أكرمه الله وأذن له بزيارة الحرمين الشريفين، النبوي والمكي،...