التحرش.. ظاهرة تبحث عن حل

بقلم/ د. رامي عطا صديق

جريدة (وطني)، الأحد 21 فبراير 2021م.

من بين أكثر الظواهر الاجتماعية السلبية التي عرفها الشارع المصري خلال السنوات القليلة الماضية تأتي ظاهرة التحرش الجنسي، التي باتت تطل علينا من أكثر من مكان، وفي أكثر من مناسبة، في الشارع ومواقع العمل!! في الأيام العادية، وفي بعض الأعياد والمناسبات الدينية أيضًا!! لتهدد أمن وسلامة كل فتاة وسيدة وأسرة مصرية.

وإذا كانت ظاهرة التحرش موجودة في مجتمعنا، وفي غيره من مجتمعات، منذ فترة بعيدة، وإن كانت بصورة أقل وطأة وأخف حدة، فإنها تطورت مؤخرًا حيث أخذت طابعًا عنيفًا من جانب المتحرشين، فضلًا عما يُسمى بظاهرة التحرش الجماعي، كما يصر البعض على أن يجعل من المرأة مجالًا للنقد ومادة للسخرية والاستهزاء، والتحرش أيضًا!!

هو الأمر الذي دفع المجتمع المصري إلى مزيد من اليقظة والنهوض، إذ لم يكن غريبًا أن تهتم الكثير من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بالعمل على مواجهة تلك الظاهرة/ المشكلة، ومحاولة اقتلاعها من جذورها، عبر تنظيم الندوات وورش العمل والمؤتمرات التي تستهدف التثقيف ورفع الوعي بخطورة تلك الظاهرة، وتدريب الفتيات على الدفاع عن أنفسهن، إضافة إلى تغليظ العقوبات على من يمارس هذا الفعل الإجرامي.

أشير هنا إلى موقفين يعكسان الحاجة إلى أهمية الوعي المجتمعي بتلك الظاهرة..

الموقف الأول: في تسعينيات القرن العشرين نشرت إحدى الصحف الجامعية كاريكاتيرًا لأحد الرسامين المعروفين، وفيه طالب جامعي يحاول القفز من أعلى السور لينطلق خارج الجامعة، سأله زميله: عايز تهرب ليه؟ أجابه: رايح أعاكس بنات. فقال الزميل: طب ما تعاكس جوه!! وبالطبع فإن كثيرين لم يعجبهم هذا الكاريكاتير، ووصل الأمر إلى رئاسة الجامعة وقياداتها التي قررت الاعتذار وعدم توزيع هذا العدد.

الموقف الثاني: منذ عدة سنوات ظهرت العديد من المبادرات الشعبية التطوعية لمواجهة ظاهرة التحرش، وهي مبادرات تستحق من المجتمع كل التحية والتقدير، وحدث أن كنت في إحدى القنوات التليفزيونية لمناقشة تلك الظاهرة بالاشتراك مع شاب وفتاة من أعضاء إحدى حملات مواجهة التحرش، ودار معهما حوار حول تلك الظاهرة في قاعة الضيافة قبل الدخول للاستديو، كان من الغريب بالنسبة لي أن الشاب والفتاة قد اعتبرا أن البنات جزء أساسي من المشكلة بسبب ملابسهن المستفزة والضيقة وأجسامهن العارية..، ثم قالا لي: “طبعًا هذا الكلام لن نستطيع قوله داخل الاستوديو أمام شاشة التليفزيون”، وهو ما أثار تعجبي، باعتبارهما يظهران غير ما يبطنان ولا يقدمان أفكارهما كاملة أمام الرأي العام، فضلًا عن رؤيتهما الضيقة!!

اقترحت عليهما تنظيم لقاء أو ورشة عمل مصغرة حول تلك الظاهرة يحضرها علماء متخصصون من مختلف المجالات التي قد يكون لها علاقة بتلك الظاهرة، لكنهما استنكرا الفكرة وقالا لي: ما الفائدة؟! وهو ما اعتبرته استبعادًا للعلم والتخطيط السليم في مواجهة ظاهرة معقدة ومتشابكة. أوضحت أن البنت حرة في اختيار ملابسها والصورة التي تظهر عليها، وعلى الشبان والرجال التزام الأدب، وعدم مضايقتها، لأن ملابس البنت لا يصح أن تكون مُبررًا للتحرش بها، كما أن تقييم ملابس الفتاة هو مسألة نسبية، يختلف من مكان إلى مكان آخر ومن زمن إلى زمن آخر، وما قد تعتبره أنت مثيرًا للغريزة الجنسية قد لا يعتبره غيرك كذلك، ومن جانب آخر فلو أن شابًا مؤدبًا ومحترمًا يسير في الشارع، وفجأة شاهد فتاة عارية أو شبه عارية، هل سيتخلى عن أدبه واحترامه ليتحول إلى ذئب بشري يضايقها ويتحرش بها؟!

يشير الأمر إلى احتياج بعض الشباب المشارك في تلك المبادرات إلى مراجعة الكثير من الأفكار، حتى تكون أكثر تحضرًا وتقدمًا ورقيًا، والنظر إلى تلك الظاهرة وتحليلها بصورة أكثر عمقًا، وقراءة الظاهرة في إطار من الشمولية، باعتبارها ظاهرة مجتمعية، وأن الكل مسئول عن مواجهتها.

في ظني أنه يمكن دعوة الفتيات للحشمة في معرض الكلام عن الفضيلة والوقار، وهي أيضًا مسألة نسبية، كما أن دعوة الفتيات للحشمة هي مهمة الأسرة بالدرجة الأولى، التي تعيش في سياق ثقافي واقتصادي واجتماعي مُعين، وليست مهمة أي شاب يسير في الشارع ويتقمص دور الأب أو الأم أو الأخ، ويمارس وظيفة الدعاة ويقوم بدور الشرطة في ذات الوقت.

إن مواجهة ظاهرة التحرش الجنسي تحتاج إلى دراسة شاملة بحضور علماء اجتماع وعلم نفس واقتصاد وتاريخ وسياسة وخبراء تعليم وإعلام وفن ومجتمع مدني ورجال دين ومشرعين..، للوقوف على أسباب تلك الظاهرة وتطورها في السياق الثقافي والاجتماعي للمجتمع المصري، والبحث في سبل علاجها وطرق مكافحتها ومواجهتها.

في هذا الإطار فإن الأمر يتطلب عدة خطوات والكثير من الجهد على النحو التالي.. أولًا: تكاتف كافة مؤسسات المجتمع للحد من تلك الظاهرة والتخلص منها، ما يعني الحاجة إلى تعاون المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والفنية والمدنية والتشريعية والشرطية..، من أجل دعم وترسيخ ثقافة احترام المرأة، باعتبارها “إنسان مثل الرجل”. ثانيًا: التنسيق بين الشرطة والمبادرات المعنية بحماية المرأة، حتى لا يتحول الأمر إلى مواجهات أهلية تبعد عن تطبيق القانون الوضعي. ثالثًا: تشديد العقوبات وتغليظها على فعل التحرش الجنسي من خلال قوانين حاسمة وأحكام رادعة، مع تنفيذها بكل قوة وصرامة. رابعًا: مناقشة تلك الظاهرة ودراستها في مناهج حقوق الإنسان بأكاديمية الشرطة ومعهد أمناء الشرطة، حتى يكون العاملون بوزارة الداخلية على وعي بتلك الظاهرة التي تؤرق أسرتنا المصرية.

المرأة ما بين ظلمات التشدد ومتاهات التحرر

المرأة ما بين ظلمات التشدد ومتاهات التحرر

حيرة شديدة عندما تقرر أن تتحدث عن المرأة .. فقد ظلمت كثيرًا حين أصبحت أسيرة لخطاب ديني متشدد، غابت ودفنت في ظلماته -بنصوص وآراء فقهية ضعيفة أو غير مناسبة لعصرنا الحالي ومتطلبات ومتغيراته-، في مقابل متاهات خطاب التحرر التي تخبطت فيه المرأة وأصبحت مستباحة بدعوى الحرية والتمدن، فما بين هؤلاء وهؤلاء ظُلمت المرأة.

السيدة هاجر .. إيمان أذاب الحجر

السيدة هاجر .. إيمان أذاب الحجر

هبة صلاح   مع بداية عشر ذي الحِجة ودخول موسم الحَج تأتي ذكرى السيدة العظيمة هاجر المصرية، زوج نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وأم النبي إسماعيل والتي صنعت تاريخًا مجيدًا سيظل باقيًا ما دامت السموات والأرض. من أكرمه الله وأذن له بزيارة الحرمين الشريفين، النبوي والمكي،...

تجريم ختان الإناث

تجريم ختان الإناث

        تابعت على مدار الأيام القليلة الماضية كثير من الأخبار المتلاحقة، حيث تصدرت كلمة “القِيَم” المشهد على صفحات التواصل الاجتماعي وأظهرت حالة من الضبابية في فهم وتحديد المصطلح على المستويين الاجتماعي والديني.