ليكن الزواج مكرمًا
القس عيد صلاح
راعي الكنيسة الإنجيلية بعين شمس، القاهرة
ورد في الرسالة إلى العبرانيين تعليم واضح عن الزواج: “لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ.” (عب 13: 4). والسؤال لماذا الزواج مكرمًا ومقدسًا؟ هل ترجع قداسته لمن يقوم به؟ أو في المكان الذي يعقد فيه؟ مع أهمية من يقوم به أو المكان الذي يعقد فيه فأنهما لا يعطيان القداسة والتكريم له، ولكن من يقدس الزواج، ومن يجعله مكرمًا هو أنه في الأساس الزواج مشروع وعمل وسر إلهي. فقبل ظهور الكيانات البشرية، والكنائس، والنظم المدنية، كان النموذج والنظام الذي وضعه الله منذ الخلق رجل واحد لامرأة واحدة طوال حياتهما. وقد أكد المسيح على هذا النموذج، والرسول بولس قاسه ووضع قيمته على أساس علاقة المسيح بالكنيسة، وهذا ما نراه في الآتي:
الزواج كتصميم ونموذج إلهي:
سفر التكوين هو سفر البدايات فهو يذكر بدايات لكل شيء، فيذكر بداية وتأسيس الزواج: “وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ. وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ. فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ. لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ.” (تك 2: 18-25).
من خلال النصّ المؤسَّس نجد أن الزواج مشروع إلهي هو الذي صممه وأوجده ليكسر حالة العزلة الجسدية والنفسية في وحدة حقيقية “جسد واحد” ولأهمية هذا الأمر نجد أن كلمة “واحد” المستخدمة في سفر التكوين لتصف العلاقة بين الرجل والمرأة في عهد وحياة الزواج هي الكلمة المستعملة لتصف الله “اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ.” (تث 6: 4). وكأن العلاقة بين الرجل والمرأة في تميز وتفرد وتكامل تصف العلاقة بين الله المثلث الأقانيم الآب والابن والروح القدس. كسر الإنسان صورة الزواج بعد السقوط تزوج لامك بامرأتين: “وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ، وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ.” (تك 4: 19). وصار من بعده إبراهيم ويعقوب وداود وسليمان بما سمي بعد ذلك بتعدد الزوجات. استمر الوضع إلى أن جاء المسيح مجدد الحياة.
المسيح والتأكيد على النموذج:
شارك المسيح في عرس قانا الجليل (يو 2: 1-11) وفي مشاركته تقديس ومباركة لهذا العرس، لم يحكم عليه بأنه باطل بل تدخل وحل مشكلة في تحويله الماء إلى خمر. وفي متى يذكر الوحي: “وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ. قَالُوا لَهُ: فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي.” (مت 19: 2-9).
أكد الرب يسوع على النموذج الأول للزواج حسب ما ورد في سفر التكوين، وشارك في عرس قانا الجليل، وعاد تصحيح المسار في التأكيد على فرادة وتميز الزواج رجل واحد بامرأة واحدة مدى حياتهما وأكدَّ على أن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان.
قيمة الزواج وقياس مكانته:
تحدث الرسول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس في حال انتشار الكرازة والبشارة ودخول أمم متزوجون ماذا يكون الوضع؟ فيقول: “وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ، أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا، وَإِنْ فَارَقَتْهُ، فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلاَ يَتْرُكْهَا. وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلاَ تَتْرُكْهُ. لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ. وَلكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الأَخُ أَوِ الأُخْتُ مُسْتَعْبَدًا فِي مِثْلِ هذِهِ الأَحْوَالِ، وَلكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلاَمِ. (1 كو 7: 10-16).
من هذا الكلام نرى أن الزواج مقدس والأولاد مقدسون حتى لو كان أحد أطراف الزواج وثنيًا وبقي على زواجه من الشخص المسيحي المؤمن.
وفي رسالته لأهل أفسس يرفع الرسول بولس من قيمة العلاقة بين الرجل والمرأة في الزواج كعلاقة المسيح بالكنيسة: “أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا.” (أفس 5: 22-33). محبة وعلاقة الرجل بالمرأة كعلاقة المسيح بالكنيسة وهذه هي أسمى علاقة.
الزواج مكرَّم ومقدَّس لأن الله هو الذي أسسه وصممه وأكد المسيح بمشاركته في عرس قانا الجليل وتعليمه، ورفع الرسول بولس من هذه العلاقة لعلاقم المسيح بالكنيسة. هذا هو إيماننا المؤسس على كلمة الله، حسب قول الرسول بطرس: “وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،” (2 بط 1: 19).
نصوص هامة حول الزواج في الفكر الإنجيلي:
ورد في دستور الكنيسة الإنجيلية بمصر في باب إقرار الإيمان الإنجيلي حول مفهوم العائلة والزواج في الآتي:
نؤمن بأنَّ العائلة هي وحدة الهيئة الاجتماعية، وهي أساسية لخير البشر. وإنَّ الزواج مُرتّب من الله فهو نظام يتضمّن تعاقدًا دينيًا ومدنيًا. وإن شريعة الزواج، التي تقضي بالتزوج بواحدة في وقت واحد، وتُحدَّد درجات القرابة بالدم أو بالمصاهرة الممنوع التزوّج منها، وتُوجب دوام ارتباط الزوجين مدى الحياة، هي مقررة في كلمة الله التي لا يحق للحكومة أن تسن قانونًا يخالفها. وإن العائلة المسيحيّة الحقيقية مؤسسة على الفكر الإلهيّ الأسمى عن الزواج، ومقدسة بالروح القدس وقائمة على الديانة العائلية، وإنَّه من واجبات الوالدين أن يُكرّسوا أولادهم لله ويهذبوهم أدبيًا وروحيًا لتكوين أخلاقهم.
نؤمن بأنَّه لا يجوز الاستخفاف بأمر الطلاق لأنَّ قانون الزواج هو ارتباط رجل واحد بامرأة واحدة لمدة الحياة. وإنَّه حينما يكون الطلاق جائَزا فلا يتم إلا على يد سلطة مدنية مختصة. وأنه لا يجوز زواج المطلقين في حال حياة كل من الطرفين إلا متى كان الطلاق لسبب الزنا. وحتى في هذه الحالة لا يُباح ذلك إلا للطرف البريء وحده.
وفي إقرار الإيمان الإنجيلي الصادر في 2006م المادة 15 حول الخليقة والزواج والأسرة: “نؤمن أن قصة الخليقة تقدم لنا المفهوم الصحيح للزواج وللأسرة، فالله الذي قال: “أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض” رسم الزواج ليكون ارتباط رجل واحد بامرأة واحدة في شركة دائمة، وحب متبادل، وأمانة كاملة، تجعل من الاثنين جسدًا واحدًا، أي كيانًا واحدًا، لا يقبل النقصان ولا يقبل الزيادة لأنّ من جمعهما الله أي قرنهما معًا لا يفرقهما الإنسان. لذلك نرفض تعدد الزوجات أو الأزواج ليكون الزواج مكرَّمًا، دون إهدار لشخصية المرأة أو شخصية الرجل. ورغم أن الله “يكره الطلاق” إلا انه سمح به في حال الخيانة الزوجية وإن كان لم يغلق الباب أمام توبة الطرف المخطئ. وتعتمد الكنيسة في رعايتها لأسرها وفي مواجهة المشكلات العائلية على توجيهات الروح القدس والكلمة المقدسة في التعامل مع كافة الحالات، داخل إطار واضح وضوابط تحددها الكنيسة العامة. وتحدد الكلمة المقدسة إطار العلاقة بين الأزواج والزوجات فلا يهتم كل طرف بما هو لنفسه، بل بما للآخر. كما توضح الكلمة المقدسة ما يجب أن تكون عليه العلاقات المتبادلة بين الآباء والأبناء في توازن واضح. كما يوصينا الكتاب المقدس بضبط الغرائز الجنسية وينهانا عن كل العلاقات والممارسات الجنسية بعيدًا عن الزواج، كما يوصينا بتجنب كل ما يثير الغرائز الجنسية، بمختلف الصور والأشكال مما يضع مسئولية كبيرة على عاتق الوالدين والكنيسة للقيام بدورهم في التربية المسيحية. وتؤكد الكلمة المقدسة أنه في المسيح زالت الفوارق بين الرجال والنساء وانتهى دور الشريعة الطقسية إذ علينا أن نثبت في الحرية التي حررنا المسيح بها. أما العلاقات الجنسية المثلية بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة، ومعاشرة الحيوانات فكتابنا المقدس يدين كل هذه العلاقات إدانة قاطعة.