يقال إن أكثر القضايا التي تُطرح بشكل مستمر ليست تلك التي نبحث لها عن حلول، إنما تلك التي نعجز أمامها في تطبيق الحلول، فيظل عقلنا أمام ضميرنا، الأول يرى واقع والثاني يوقظه، ومن أهم القضايا التي بات مجتمعنا المصري عامة وصعيدنا خاصة عاكف على طرحها تلك التي تخص النساء وترفع شعارات منها “كرامة المرأة، حريتها وتحررها…إلخ.
في السطور التالية التي أهديها للنساء في الصعيد، أرى طريقين، إحداهما اعتدنا أن نسلكه والذي يمكن من خلاله أن نرفع شعارا أو نندد بآخر، طريق يصرخ فيه قلمك بأن للمرأة حرية وحق، لكن واقعك يضع فاصلة ما بين (الحرية، المرأة) وإذا ما طبقنا ذلك الطريق على مجتمع الصَعيد سندرك أن الرجال مع حرية المرأة طالما أنها ليست من عائلاتهم، وهنا لا تقوى المرأة على شيء، لا تستطيع السفر بمفردها فهي تخرج من كنف الأب إلى الزوج مباشرة، حيث تتفاقم مشكلات الزواج المبكر، الذي تجد فيه “الطفلة” في جسد أنثى مسؤولة عن “رجل”، فتصير كأنها دمية في يده، ويكون زواجها في هذه السن المبكرة سببا مباشر لحرمانها من التعليم، وإجبارها على تقليد عادات بالية وخرافات تثنيها عن المطالبة بحريتها، وهنا لابد من التأكيد على أنني لا أتحدث عن كل امرأة صعيدية، إنما حديثي عن فئة ليست بقليلة وهي فئة القرى والنجوع والضواحي والأماكن المنعزلة، فئة الضعفاء المهمشين التي عشت واختبرت فيها كل كلمة اكتبها.
حدث أمامي منذ بضعه أيام موقف في هذا الصدد، سيدة مُسِنه كلّت عيناها عن النظر، فذهبت هي وابنها الكبير إلى الطبيب الذي أخبرها أن نظرها ضعيف جدا وتحتاج إلى نظارة، الغريب في الأمر أن الابن رفض بشدة خوفا من أن يعايره أهل القرية أن أمه ترتدي نظارة وقال: “هيقولوا لي يا ابن الدكتورة”! الأمر ليس مضحك على الإطلاق، فالعادات والتقاليد سَخِرت من ضعف نظر تلك السيدة والذي يمنع عنها العلاج ابنها “الذَكر” خوفًا من سخرية المجتمع!
إننا نسير في ظلمات بعضها فوق بعض في تلك المجتمعات التي أخصها بالحديث، ذلك هو الطريق الثاني الذي نتبعه عند رفع شعارات عن قضايا المرأة، وحينما ترى المرأة بصيص من الحرية أو الكرامة أو الحقوق التي كفلتها لها الأديان، يباغتها الضوء المفاجئ بالعمى لأنها تعودت على الظلام، فكيف نقنعها أن المشكلة في الظلام وليس في الضوء المفاجئ!
باربارا يوسف