ارتبطت كلمة “أرملة” في أذهان الناس دائمًا بنموذج السيدة “مكسورة الخاطر”، فلن نقول مكسورة “القلب” لأن الخاطر أعم وأشمل وتشير إلى حالة من الحزن تجتاح قلب الزوجة بعد فقد الزوج وهذا كله قدر ليس لأحد أن يمنعه.
لكن هل المجتمع يترك هذه السيدة وشأنها تحمل قلبها الثقيل وتمضي في حياتها؟ بالطبع لا!
من واقع تجربة إحدى المشاركات تحكي وتقول:
فقدت زوجها “عائلها” الوحيد عندما كان عمرها 32 عام، وزوجها كان 38. كانت تعمل في التدريس، وترك لها 4 أبناء (3 بنات وولد).
من هنا بدأت تدخلات الأهل من جانب عائلتها أن تترك الأبناء لأعمامهم وتتزوج (فهي مازالت في بداية حياتها)، بينما من جهة أعمام الأبناء، بدأ الخلاف على الميراث واستبعاد الأبناء، ووصل الأمر إلى أن
صديقاتها بدأوا ينفضوا من حولها خوفًا منها على أزواجهم!
لم تنتهي العقبات عند هذا الحد، وإنما اضطرت لترك شقتها الإيجار والانتقال إلى منزل آخر بضغط مباشر من صاحب العقار “لأنها أرملة”.
هذه السيدة تحكي الآن وهي على المعاش بدرجة وكيل وزارة، وجميع أبنائها قد حصلوا على شهادتهم من التعليم الجامعي وما بعد الجامعي.
هذا ملخص لحال كثير من الأرامل في مجتمعنا ممن ليس لهن ذنب إلا أن القدر عرضهن لفقد الزوج.
فعندما نقيس هذه القصة التي اختصرناها في هذه السطور القليلة على ما جاء به الشرع، فهل سنجد أصلا لهذه المعاملة أو الضغط النفسي الرهيب الذي تتعرض له الأرامل في مجتمعاتنا العربية؟ الحقيقة لا! لن نجد في الشرع نص يدعم إجبار النساء على الزواج، أو محاولة الزج بهن في فخ الشبهات لكونهن بمفردهن دون رجل، أو نص يصرح بأن الأرملة أو المطلقة خطر على المجتمع فنبتعد عنهن ونتجنب التعامل معهن.
الحقيقة هي أن كل ما تواجهن هذه الفئة من النساء في مجتمعنا هو من صنع أوهام العادات والتقاليد التي تعمل دائمًا على الانحياز للرجل على حساب المرأة. فإذا قرأنا سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) سنجد أن الزوجة الوحيدة التي تزوجها بكرًا كانت السيدة عائشة (رضي الله عنها)، أما زوجته الأولى فكانت ثيب وأرملة وكانت له بمثابة الروح للجسد.
إذا عرضنا الأمر على الآيات القرآنية سنجد أن الله سبحانه وتعالى تحدث عن الزواج ولم يحدد حال المرأة (بكرا أو ثيب) (أرملة أو مطلقة)، يقول الله تعالى في سورة النور: “وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”. الأيم في اللغة هو/ هي من لا زوج لها/ له، وهذا ما يغيب عن أفهام الكثيرين.
الأخلاق هي الميزان في جميع الأديان، وطالما أن هذه السيدة التي ترملت لديها من الأخلاق ما يكفيها لتعيش وتربي أبنائها، فليس لأحد من الأهل أو غيرهم الحق في التدخل في حياتها وخاصة الرجال، ممن يفرضون سيطرتهم لمجرد أنهم رجال وهي سيدة مسكينة. المعروف لا يعرف مشاحنات أو ضغائن.
تحية احترام وتقدير لكل سيدة فقدت عائلها (زوج، أب، أخ، عم أو خال) ونجحت في تربية أبناء صالحين وأكملت رسالة زوجها وكانت لأسرتها الأم والأب دون كلل أو ملل.
الدين للحياة، والحياة أمانة ورسالة، وهذا ما تفعله الكثيرات في صمت ويسبحن ضد تيار العادات والتقاليد الظالمة.