الحديث عن بعض الأمور الدينية قد يكون ثقيلًا في حضرة المفاهيم التي يتبناها بعض التيارات النسوية وخاصة النسوية الراديكالية Radical Feminism التي تتخذ موقفًا معاديا تمامًا تجاه ما جاءت به الأديان من تشريعات تنظم العلاقة بين الجنسين؛ وتحتل قضية “التجميل” جزء كبير جدا من الحديث النسوي “الراديكالي” الذي يدعم وبقوة فكرة الدفاع عن الجسد (جسد المرأة) ومن ذلك التخلي عن فكرة التجميل بصورتها الكلية وترى أن النساء دائمًا باحثات عن الجمال بكل وسائله من أجل “الرجل”!
توقفت لأعقد مقارنة سريعة بين السعي الدائم للتأكيد على أن فكرة “الختان” على سبيل المثال ليست من الدين وأنها محض تعد وتشويه لخلقة المرأة “الأنثى” وتتركها—إن نجت—بآثار نفسية وجسدية تنعكس على باقي حياتها؛ فكان لابد من نفي هذه الفكرة تماما عن الدين وإثبات أنها محض عادات وتقاليد ضارة بالصحة النفسية والجسدية للنساء والمطالبة باتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لإنهاء هذه العادة المقيتة، وعلى الناحية الأخرى، يرى بعض النسويات أن ما جاء به الإسلام من نموذج معرفي يتعلق بأمور “الفِطرة” أو “سنن الفِطرة” التي تنص على أهمية العناية بالنظافة الشخصية أو ما يقابلها في اللغة الإنجليزية personal hygiene هي مجرد “تحكم من الدين في جسد المرأة”! فالمرأة لسبب أو آخر ليست حرة في التصرف في جسدها تبعا للدين!
الحقيقة هي أن الدين برئ من كل ذلك، سواء من عادة الختان، أو من فرض السيطرة على جسد المرأة كما تفسره بعض النسويات فيما يقدمونه من انتاج معرفي! فإذا نظرنا للنصوص الشرعية في الإسلام، سنجد أن النص الشرعي (القرآن) جاء ليؤسس فكرة الجمال وحب التزين “بالفِطرة” التي خلقها الله في المرأة ووصفها بالتنشئة في الحلية فقال سبحانه: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ﴾ [الزخرف: 18]؛ ولأن الدين أتى موافقًا للفطرة فقد أباحت الشريعة الإسلامية للنساء كل أنواع الزينة والتجمل “لنفسها” قبل أي شخص آخر، فمن أين أتت هذه الفكرة التي يدعيها البعض بأن الدين يتحكم أو يقهر جسد المرأة! بالعكس هي مفطورة على أشياء وضعها الله فيها، وجعلها من جبلتها، وهذا يجعلها على يقين أن خالق هذه الفطرة هو شارع الأحكام، بما يلائم هذه الفطرة، إذ يستحيل أن يكون في شرع الله أمر يخالف ويعارض ما فطره عليه، فالحكيم العالم بما خلق، ومن خلق يضع الشريعة المناسبة له والملائمة لخلقه. فهي كما تحب الزينة لنفسها، تتأثر كذلك بوجود النظافة والزينة لمن يشاركها الحياة، فتلك هي المرأة التي جاءت إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بصحبة زوجها تطلب منه التفريق بينهما؛ لأنه أشعثُ أغبر لا يهتم بهندامه، فما كان من عمر إلا أن طلب منها أن تترك زوجها له وتأتي بعد يومين، وأمره أن يستحمَّ ويأخذ من شَعر رأسه ويقلِّم أظافره ويتطيب، ورجعت هي في دعواها (بعد إجراء تعديلات النظافة عليه)، فقال له أمير المؤمنين عمر: هكذا، فاصفوا لهن كما تحبون أن يصفين لكم. فهذه هي الفِطرة التي نوضح معناها.
فالقضية هنا تتأرجح بين فكرة الفطرة أو الطبيعة “الجبلية” لحب النساء للزينة “والاهتمام بالنظافة الشخصية”، وبين المغالاة إما في رفضها تماما كما هو الحال مع النسوية الراديكالية وغيرها أو المغالاة في التمسك بمفهوم التجميل بالقدر الذي يتحول فيه الأمر إلى “هَوَس” كما هو حاصل في وقتنا الحالي من التسابق على عمليات التجميل “غير الضرورية” لمجرد الوصول لأعلى درجة من “الجمال الصناعي”، وفي الحالتين تشذ المرأة عن الفِطرة السلمية أو “السوية” التي تجعل من أنوثتها مصدرًا للجمال كما أرادها الخالق.